الشيخ الشعراوى : فى مكة المكرمة رأيت سيدنا إبراهيم


الشيخ الشعراوى : فى مكة المكرمة رأيت سيدنا إبراهيم


عن مقام سيدنا إبراهيم الخليل يدور الحديث الذى يكشف فيه الشيخ الشعراوى عن سر من أسراره الروحية الكبيرة، ومقام إبراهيم عليه السلام هو "الحجر" الذى كان يقف عليه سيدنا إبراهيم الخليل وهو يبنى الكعبة المشرفة.. بيت الله الحرام.. والذى وقف عليه وهو يؤذن فى الناس بالحج..

وهو من معجزات سيدنا إبراهيم الخليل فقد صار هذا الحجر " ليناً " تحت قدميه حتى غاصتا فيه وقد بقى هذا الأثر ظاهراً إلى اليوم.. ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: قلت يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت الآية الكريمة:" وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى" فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل المقام بينه وبين البيت وصلى ركعتين ..

ومقام إبراهيم " الذى هو الحجر" يشبه المكعب، ارتفاعه 20 سنتيمترا، وثلاثة من أضلاعه طولها 36 سنتيمترا، أما الضلع الرابع فطوله 38 سنتيمتراً، وقاعدته محيطها 150 سنتيمتراً، أما محيط سطحها فهو 136 سنتيمتراً، ولكثرة التمسح به طلباً للبركة، ولمس الناس له بأيديهم على موضع القدمين، فقد تلاشت آثار الأصابع .

وقد حدث فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن جاء سيل شديد فجرف حجر المقام من موضعه إلى مكان بعيد، فجاءوا به وربطوه فى أستار الكعبة حتى يصل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ويضعه فى موضعه، ووصل عمر بن الخطاب وأخذ يسأل الناس: من الذى عنده علم بالمكان الذى كان يوضع به حجر المقام

؟ فرد عليه عبد المطلب بن أبى وداعة السهمى وقال: أنا يا عمر لقد كنت أخشى أن يحدث ما حدث، ولذلك فقد وضعت القياسات التى تحدد موضع" حجر المقام" واحتفظت بها، لقد أتيت" بمقماط" أى بحبل، وقست المسافة بين موضع المقام والركن وحجر إسماعيل وزمزم، وعملت"عقدة" بالحبل لتحديد موضعه بالضبط بالنسبة للمسافة التى بينه وبين الأماكن الأخرى التى ذكرتها، وما زلت أحتفظ بالحبل.. وجاءوا بالحبل، وقام عمر بن الخطاب ووضع " حجر المقام " فى الموضع الذى كان عليه، وهو المكان الذى يوجد به إلى اليوم، وهو يبعد عن باب الكعبة مسافة 15 متراً .

وعندما تكلم الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز عن الكعبة المشرفة وبيته الحرام لم يذكر سوى " مقام إبراهيم " فقال:" فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ " عمران : 97، ومن هنا تأتى قداسته.

تلك السطور عن " مقام إبراهيم " هى للتمهيد والتوضيح لما سيتناوله فضيلة الشيخ الشعراوى من وقائع هامة ومثيرة تتعلق " بمقام إبراهيم " وهى الوقائع التى كان الشيخ طرفاً فيها، وتاريخ هذه الوقائع يعود إلى عام 1954 كما يذكر الشيخ، وكان الشيخ وقتها يعمل أستاذاً بكلية الشريعة فى مكة المكرمة .

يقول الشيخ فى تلك الأيام كانت هناك فكرة لنقل " مقام إبراهيم " من مكانه إلى مكان آخر، أى أن يرجعوا به إلى الوراء ليفسحوا " المطاف " الذى وجدوه قد ضاق بالطائفين وأصبح الزحام مشكلة، وكانت هذه الفكرة، فكرة نقل مقام إبراهيم قد أخذت طريقها للتنفيذ، وتم بالفعل إقامة المبنى الجديد الذى من المقرر أن ينقل إليه المقام، وكان المبنى الجديد على غرار المبنى القديم، وتحدد اليوم الذى سيقوم فيه الملك سعود بنقل المقام الذى هو" الحجر" إلى المبنى الجديد فى الموقع الجديد، وكان هذا اليوم هو يوم" الثلاثاء" وقبل أن يأتى هذا اليوم بخمسة أيام.. أى فى يوم" الجمعة "السابق على يوم" الثلاثاء" بدأت الوقائع المثيرة التى كان الشيخ طرفاً فيها، بل كان هو الذى أثارها.
لقد اعترض الشيخ الشعراوى على نقل " مقام إبراهيم " من مكانه إلى مكان آخر، كان يرى فى ذلك شيئاً مخالفاً للشريعة، وكان هذا " الاعتراض " أو مجرد إبداء الرأى من شيخ مصرى يعمل " موظفاً " بالسعودية حتى وإن كانت الوظيفة هى أستاذ بكلية الشريعة فى مكة المكرمة، كان هذا الاعتراض أو مجرد إبداء الرأى يعتبر شيئاً مرفوضاً ويهدد قائله أو المعترض بفسخ عقده وإنهاء عمله ومن ثم لا يكون بد من الرحيل من السعودية ولكن فضيلة الشيخ الشعراوى لم يتهيب الموقف ولم يبخل بكلمة الحق حتى وإن كلفته الكثير فتقدم فضيلة الشيخ برأيه فى عدم جواز نقل مقام إبراهيم من مكانه إلى غيره وطلب منهم عدم القيام بذلك لمخالفته للشريعة الإسلامية ولكن انتهى ذلك برفض رأى الشيخ الشعراوى إلا أن الشيخ الشعراوى لم ييأس فقد جعل من نقل هذا المشعر الحرام قضيته التى سيدافع عنها مهما كلفته الكثير من التضحيات فتقدم مرة أخرى برفض نقل مقام إبراهيم  وأن هناك طرق أخرى كثيرة من شأنها أن تبعث الراحة لحجاج بيت الله الحرام وتوسيع المطاف للطائفين بالبيت باسلوب آخر غير نقل مقام إبراهيم وأمام إصرار الشيخ الشعراوى قالوا أنهم حاولوا إلا أن المقام الجديد قد تم بنائه فعلاً وأن هذا الموضوع أصبح منتهياً وأن الكلام لا يجدى .

برقية الشيخ الشعراوى للملك:
وقال الشيخ الشعراوى: لقد أرسلت برقية من خمس صفحات فولسكاب إلى الملك سعود وعرضت فيها المسألة من الناحية الفقهية والتاريخية وقلت إن نقل المقام من مكانه إلى مكان آخر هو مخالف للشريعة وإن الذين يحتجون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام بنقل المقام واستندوا إلى ذلك فى تبرير النقل هؤلاء قد جانبهم الصواب، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول ومشرع وليست هذه حجة لكى نستند عليها وننقل مقام إبراهيم من المكان الذى وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقلت فى برقيتى أيضاً: أن عمر بن الخطاب لم يفعلها وأنه عندما وقع السيل الشديد المعروف بسيل" أم نهشل" وجرف" حجر المقام" من مكانه وذهب به بعيداً عندما حدث ذلك وعرف به عمر جاء فزعاً من المدينة وجمع الصحابة وسألهم قائلاً" أناشدكم الله أيكم يعرف موقع هذا المقام فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رجل وقال: أنا يا عمر.. لقد أعددت لهذا الأمر عدته وتحسبت من وقوعه ولذلك قست المسافة التى تحدد موضع المقام بالنسبة لما حوله واستخدمت " القماط"  أى الحبل فى ذلك وهذا الحبل موجود وبه عقدة تحدد الموضع بالضبط، لكن عمر بحصافته لم يأخذ الكلام على علاته.. بل أجلس الرجل إلى جانبه وأرسل من يأتى بالحبل من بيته ليتأكد من صدق روايته.. وجاءوا بالحبل وتأكدت رواية الرجل وقام عمر بن الخطاب بوضع حجر المقام فى موضعه الذى كان عليه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك لا يجوز لأحد أن ينقل المقام من مكانه وموضعه الذى وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال الشيخ الشعراوى: إن البرقية وصلت إلى الملك سعود وأن الملك سعود جمع العلماء وقدم لهم البرقية وطلب منهم أن يدرسوا ما جاء بها وأن ينتهوا إلى رأى وأن يبلغوه بهذا الرأى فى اليوم التالى وهو يوم الأحد أى قبل الموعد المحدد لنقل المقام ب 24 ساعة!

واجتمع العلماء وتدارسوا ما أوردته بالبرقية وأنطقهم الله بكلمة الحق، ووافقوا على كل ما جاء بالبرقية وأيدوا ما ذكرته وقالوا: إن هذا الكلام لا ينقض وبعثوا برأيهم إلى الملك سعود، فأصدر الملك أمراً بعدم نقل المقام وأصدر أمراً آخر بهدم المبنى الجديد الذى كان قد عهد ببنائه إلى" بن لادن" وقال الشيخ الشعراوى: إن الملك أمر بدراسة الإقتراحات التى أشرت إليها فى برقيتى لتوسيع المطاف وتحقيق الغرض المطلوب دون المساس بموضع المقام..

وفى توضيحه لهذه الإقتراحات قال الشيخ الشعراوى: أنا قلت إن المبنى الذى يضم" مقام إبراهيم" مبنى كبير وهو الذى يزحم المكان ويتسبب فى ضيق المطاف.. من الممكن أن نزيل هذا المبنى وأن نبقى فقط على الوضع الذى به مقام إبراهيم وأعنى به موضع حجر المقام وهو لا يشغل سوى مساحة صغيرة لا تزيد على المساحة التى يشغلها شخصان من الطائفين.. واقترحت أن يعمل له قبة من الزجاج قبة صغيرة مناسبة وان يكون الزجاج غير قابل للكسر.

وقلت: أن إظهار" مقام إبراهيم" للناس هو تحقيق للآية الكريمة التى تقول عن بيت الله الحرام" فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ" وليس من المقبول أن نعمل بعكس الآية ونضع المقام فى مبنى يحجبه عن أعين الناس .

وقال الشيخ الشعراوى: إنهم أخذوا باقتراحاته فأزالوا المبنى الذى يوجد به المقام وعملوا" القبة الزجاج" فوق المقام فأصبح ظاهراً لآعين الناس، وقال الشيخ: الحمد لله.. الحمد لله.. لقد عملت فى مكة المكرمة طوال ثمانية عشر عاماً كأستاذ فى كلية الشريعة، قدمت خلالها كل ما استطعت من جهد.. لكن هذا العمل الذى وفقنى الله إليه وهو الإبقاء على" مقام إبراهيم الخليل" فى موضعه يفوق عندى كل ما قدمت بل هو عندى بالدنيا وما فيها فالحمد لله الحمد لله ، لقد طلبنى الملك سعود وقال" هاتوا لى الشيخ الشعراوى" ورحت له وشكرنى وأعطانى" مشلح" وساعة وقلم! ونسأل الشيخ: وما معنى" مشلح"؟ ويقول: يعنى" عباية" ويسكت الشيخ ويطول سكوته ويبدو أنه قد انشغل بنفسه وراح يتذكر شيئاً عزيزاً وتضئ الفرحة وجهه وهو يقول: بعد يومين اثنين من الأمر الذى أصدره الملك سعود بإيقاف نقل المقام شرفنى الله تعالى وشرفت عينى برؤية سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام .  

مجلة روح الاسلام  




Blogger Tricks

0 التعليقات

شارك بتعليقك

الصفحة الرئيسية | جميع الحقوق محفوظة ل الشيخ محمد الاسوانى | elmasry | تصميم المصري